محو الأمية التقنية لمستقبلٍ زاهر
المنظمة التقنية :
مع إطلالة كل يوم جديد تطالعنا وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بتقرير أو خبر يتناول حدثا علميا جديدا أو معرفة مبتكرة تكون لها أهميتها وأثرها المفيد في الإنسان أو عناصر البيئة والحياة من حوله، ومن هذه العلوم والمكتشفات ما هو في مجالات كالفلك، البيئة، الطاقة، الطب، التكنولوجيا وغيرها. تبرز مئات المعلومات المتعلقة بالمشاريع البحثية العلمية بصفة دورية، وفي كل مشروع منها تدخل التقنية كعنصر أساس ضمن مكوناتها التشغيلية وأنظمتها الإنتاجية، ولا تزال الإنجازات تتواصل طالما كانت هناك مراكز للبحوث والدراسات، ومخرجات تعليم متوافقة مع متطلبات العصر ومتوازية مع معطيات النهضة الحضارية في أرجاء العالم. هذا التراكم المعرفي عن العلوم والتقنية يتم احتواؤه داخل أوعية الحفظ لمراكز المعلومات في عديد من الجهات العلمية والأكاديمية حول العالم ويتوافر مثيل لها في بلادنا، لكن يبقى الوصول لها مقتصراً على عدد محدود جداً من الناس وبدافع البحث العلمي لأغلبيتهم. المقلق في الأمر بجانب ذلك هو ضعف وسائل التواصل العلمي والثقافي بين أفراد المجتمع والمؤسسات المعنية، مما أسهم في انتشار التخلف المعرفي لدينا في بعض الجوانب المهمة من مجالات العلوم بوجه عام والتكنولوجيا على وجه خاص، وتشكلت بسببها لدى شرائح كبيرة من مجتمعنا أميات عديدة أهمها بالتحديد “الأمية التقنية”، مما سيكون لها أثرها السلبي في مسيرة التطور في بلادنا لشتى مجالات الحياة. ما من شك أن الأمية من أي نوع كانت تعد من المعوقات الرئيسية أمام تطوير الفرد قدراته المعرفية نحو أداء متطلباته ومهامه اليومية وتحد من إنتاجيته كما يجب. وبالتالي يؤدي توسع هذه المشكلة إلى غياب دور المجتمع في تحقيق النجاح المأمول من البرامج التنموية المختلفة وبخاصة في الجانب المرتبط بالأنظمة الخدمية. إن وجود يوم يحمل عنوان “الأمية التقنية” ليس بالأمر الكافي، لأن الموضوع يقتضي موسما عامرا بالجهد والعمل ومجموعة من الفعاليات والندوات وورش العمل والملتقيات، ومعارض ومراكز علمية دائمة. وقد شهدت السنوات الأخيرة عددا من اللقاءات العلمية والتقنية على الصعيد المحلي يأتي ضمن أهدافها الأساسية التواصل مع المجتمع وتعريفه بكل جديد عنها، وهذه الخطوة مهمة للغاية لمحو أمية الفرد بما يحيط به من تقنيات حديثة. فهي لا تقتصر بحسب المفهوم البسيط على بعض المجتمعات التي حدت منها وحصرتها في إطار مهارات التعامل مع الحاسب الآلي أو غير ذلك، وهذا لا يكفي فالتقنية آفاقها واسعة ومن أحدثها تقنية النانو، وتقنية الخلايا الجذعية، وثورة الاستنساخ، وتقنية البصمة الوراثية، وتقنية البرمجيات الحاسوبية وغيرها. نحن كجزء من هذا العالم الحافل بالإنجازات العلمية، فإنه لزام علينا مواكبة التطورات المحيطة والإلمام بأدق تفاصيلها بداية من تاريخ نشأتها إلى ظهورها للوجود، والعمل على تحليلها وتقييمها، ثم ترجمتها وإعادة تحريرها بأسلوب منهجي، وتسجيلها وتوثيقها بالطريقة التي تراعي الفوارق المعرفية بين جميع شرائح المجتمع. على أن يتم لأجل هذا الغرض توفير قنوات تواصل لمصادر المعرفة، ويكون ذلك عبر جهات متخصصة ورائدة في ، ومراكز البحوث والدراسات لدى الجامعات، والمؤسسات والمعاهد العلمية الحكومية منها والخاصة. المنفذ الأقدر والأفضل نحو محو الأمية التقنية وبما يحقق الاستثمار الأمثل من الجهود التي نتطلع لها، وبما يخدم استراتيجيات برامج التنمية لمستقبل زاهر لبلادنا يأتي من بوابة مؤسسات التربية والتعليم، حيث يتطلب الأمر تحديث المناهج وأن تكون هي الوعاء الفعلي الذي يحتوي على كل ما هو جديد بالغ الفائدة من العلوم والمعارف والتكنولوجيا ولو بصفة سنوية، لأن أجيالنا هي الأولى بتملك المعرفة والمهارات الأساسية لكل علم ذي قيمة ومردود نافع في حياتهم العلمية والعملية. ومنها تنطلق القاعدة الأساس للمناهج القابلة للتحديث والبناء الممتد بأسلوب علمي ومنطقي قابل للتداول في مراحل التعليم كافة ومنها إلى الممارسة التطبيقية ووفقا لمتطلبات العصر.