كل ما تود معرفته عن تطور فيسبوك إلى ميتافيرس :” Metaverse ” التطور.. المخاوف.. الأمان.. المستقبل المثير للتقنية وتأثيرها على البشرية
ما هو الميتا فيرس؟
تخلق هذه التقنية عالمًا افتراضياً يتماهى مع واقعنا المادي بأبعاده الحسية من صورة وصوت وحتى الرائحة والمشاعر
“ميتافيرس”.. عالم ثالث بين “الواقعي والرقمي”
ربما يمضي العالم بوتيرة متسارعة إلى مرحلة الحياة الافتراضية، بعد أن بدت ملامحها ومتغيراتها إبان جائحة “كوفيد-19” الوبائية.
شكّل إعلان مؤسس شركة فيسبوك مارك زوكربيرغ تغيير إسم الشركة الأم إلى Meta خبراً مفاجئًا ومربكًا في نفس الوقت إذ اختلط التسويق الإعلامي الخاطئ بتغيير إسم موقع التواصل الإجتماعي نفسه (عوض العلامة الكبرى في الواقع والتي تشمل إنستغرام وواتساب أيضًا) بعدم فهم الكثيرين لفكرة الميتافيرس التي تمحور حولها هذا التغيير الجذري.
الميتافيرس ليس مفهومًا جديدًا فقد تم إستخدامه أولا في الخيال العلمي في كتاب Snow Crash للكاتب نيل ستيفنسون والذي تقع أحداثه في الولايات المتحدة في المستقبل مع هيمنة الشركات الرأسمالية التي حوّلت الحياة إلى عالم ثلاثي الأبعاد يتفاعل فيه الناس عبر الأفاتارات – أو الصور الرمزية عوض أجسادهم الفعلية
مع تطور التكنولوجيا ورغبة الشركات في اقتحام هذا المجال، أصبح من المهم فهم حيثيات هذه الفكرة خاصة مع التشابه الكبير في المفاهيم المطروحة وصعوبة تصور التمظهر الفعلي لها في الوقت الحالي. في هذا المقال سنجيب على بعض الأسئلة المرتبطة بمفهوم الميتافيرس بشكل مبسط يسهل من خلاله فهم هذا التصور المستقبلي.
ما هو الميتافيرس فعليًا؟
لا يوجد تعريف واحد متفق عليه حول الميتفايرس metaverse، خاصة مع الإختلاف بين شكله الحالي والتصور المستقبلي له. يعرّف فيسبوك المفهوم بطريقة مبسطة على أنه “مجموعة فضاءات افتراضية تمكنك من التفاعل مع أشخاص آخرين من أماكن مادية بعيدة.”
ولعلّ تعريف موقع Investopedia هو الأوضح بخصوص هذا الشأن إذ يشير إلى أن الميتافيرس هو “الإلتقاء الإفتراضي لوسائل التواصل الإجتماعي، الواقع المعزز أو Augmented Reality، الواقع الإفتراضي أو Virtual Reality، الألعاب، السوق الإلكترونية، العملات الرقمية والواقع المادي الحقيقي.”
يتطلب ذلك طبعاً جمع كميات هائلة من بيانات المستخدم من خلال منتجاتها الحالية للواقع الافتراضي، بما في ذلك الميزات المادية للأشخاص، والتي تتجاوز حدود الإستخدام الضيق لبعض الألعاب أو اللقاءات الافتراضية. يحدث ذلك بسبب طبيعة التفاعل الحسية مع هذه المنتجات والتي تنقل الخصائص الجسمية كتحركات الأعين ورد الفعل عند إرتداء شاشة الواقع الإفتراضي أو شكل الوجه عند القيام بعملية مسح إلكتروني- وهو ما يحدث بالفعل ما إذا قمت بتحويل وجهك إلى إيموجي عبر هاتفك الذكي مثلاً.
هل الميتفايرس لعبة؟ وكيف يتم التمييز بينه وبين التجارب الرقمية والإفتراضية الموجودة؟
من السهل الخلط بين هذه المفاهيم، خاصة وأن الميتافيرس يمثل ساحة تتفاعل فيها كل هذه التجارب المختلفة مع بعضها. يمكن النظر للميتافيرس على أنه كون متعدد الأبعاد مرتبط بالعالم الحقيقي، مثل تفقد غرف ملابس المتاجر عبر تقنية الواقع الإفتراضي مثلاً أو إستعمال تطبيقات موجودة في الواقع كـ خرائط غوغل. بلغة أخرى، الميتافيرس أكبر من هذه التقنيات التي يحتويها وهو عبارة عن فضاء يتفاعل فيه الشخص مع المحتوى الإفتراضي عوض أن يكون مجرد متفرج بعيد.
لعبة Pokemon Go مثلاً تستعمل تقنية الواقع المعزز والتي تضيف معطيات وتصورات جديدة للواقع الموجود فعلياً عبر الكاميرا، كما يعتمد تطبيق Horizon Workrooms التابع لـ فيسبوك على الواقع الإفتراضي أين تتقابل مجموعة من الأشخاص افتراضياً عبر شاشة Oculus Quest 2 فيما يشبه المؤتمر المباشر. مبدئيًا، سيحتوي الميتافريس تجارب مختلفة كهاتين التجربتين وغيرها على اختلاف التقنيات المستعملة على الرغم من عدم تقارب أفكارها.
هل الميتافيرس من صنع فيسبوك؟ وهل ستكون الشركة هي المحرك الرئيسي له؟
لا، لم يخلق فيسبوك الميتافيرس، وهذه المعادلة شبيهة بقول أن فيسبوك هو من صنع الإنترنت. الشركة الأم، والتي تضم إنستغرام وواتساب أيضًا كما أشرنا سابقًا، أعلنت على دخولها لعالم الميتافيرس. لحد الساعة، الأمر الوحيد الذي سيتغير هو شارة البداية التي كانت تظهر “من فيسبوك” والتي ستتحول الآن إلى “من ميتا” حسب ما أظهرت التحديثات الأخيرة للتطبيقات الثلاث. شركة ميتا تنوي إقتحام الميتافيرس كالعديد من الشركات الأخرى التي تتسابق لفرض وجودها في المستقبل. رغم ذلك، لا يوجد أي تفاضلية بعد بين الشركات والتجارب الموجودة، لكن يمكن تمعن بعض المحاولات المبهرة والقريبة نسبيًا.
مثلاً، وصلت لعبة Fortnite إلى مستوى مبهر حقاً من الإرتباط بين اللاعبين عبر الأبعاد المختلفة، ولكنها تعد، من الناحية التقنية، جزءا ًصغيراً من التصور الشامل للميتفايرس. ويشير تيم سويني، المدير التنفيذي لشركة Epic المنتجة للعبة بأنها قطعة صغيرة من عالم احتوائي كبير، تمامًا كعلاقة وسائل التواصل الإجتماعي بالإنترنت. فالإنترنت موجود بغض النظر عن المواقع والتطبيقات التي تشكّل وجوده، وهو ما يؤكده تصريح شركة فيسبوك بأن “الميتافيرس ليس منتجاً يمكن لشركة واحدة أن تبنيه. مثل الإنترنت، الميتافيرس موجود بغض النظر عن وجود فيسبوك من عدمه.”
مع ذلك، يمكن القول بأن بعض التجارب كانت قريبة من تصور الميتافيرس في المستقبل. وصف سويني ساحة المستخدمين في لعبة Fortnite وكيفية اقتناء أغراض مختلفة من ملابس وأسلحة بأنها ميتافيرس كونها تمثل فضاءً افتراضياً ثلاثي الأبعاد يختلط فيه البعد الإفتراضي بالواقع. كما يتم الإشارة أيضًا إلى عالم Second Life الصادر سنة 2003 بأنه ميتافيرس، وذلك لتقديمه سوقًا إفتراضية للملابس والديكور يمكن للاعب أن يستثمر فيها ويربح مالاً في الواقع، ويعد هذا الخلط السبب الذي يجعل البعض يصف هذه التجارب بالميتافيرس.
شركة Nike كذلك أعلنت عن رغبتها في إقتحام الميتافيرس مع عرض طلبات عمل جديدة لمصممي الملابس والأحذية الإفتراضية والذين سيساعدون الفريق على تغيير معادلة المساحة الافتراضية والدخول إلى عالم الميتافيرس وتوسيع قدرات العمل حسب وصف الشركة. بدورها، قامت شركة Nvidia لمعالجة الرسومات بالإعلان عن مشروع جديد يدعى “Omniverse” سيخلق مساحات تتفاعل فيها عوالم ثلاثية الأبعاد ويسمح بتشكيل ” توأم إفتراضي” للمعطيات المادية في الواقع من بنايات ومصانع وغيرها.
لما قد أهتم بالميتفايرس وكيف سيؤثر على حياتي مستقبلاً؟
إذا كنت تعمل بأحد القطاعات التي ستبني قاعدة الميتافيرس، فإن التوجه الصناعي والإداري للخدمات سيركز بشكل كبير في المستقبل على هذا العالم، سواءً تعلق الأمر بالمعلوماتيات أو التصميم الإلكتروني أو حتى القطاعات المصرفية والمالية. أي شركة لها وجود افتراضي سترغب في فرض نفسها على ساحة الميتافيرس. فضلاً على ذلك، يشمل الميتافيرس مختلف جوانب الحياة من الترفيه والرياضة إلى الصحة وقطاع الخدمات والتدريب. قد يصعب تصور كيفية تغير حياتنا فعلاً، ولكن الميتافيرس سيحتل جزءاً منها بالتأكيد.
تتحدث خبيرة الأمن الإلكتروني كريستينا بودنار عن تجربة حضور حفلة موسيقية مستقبلاً، وتعويض الميتافيرس لطريقة المشاهدة الكلاسيكية للشاشة عبر التلفزيون أو الحاجة للذهاب إلى مكان العرض. عوض ذلك، سيكون بإمكانك إرتداء شاشة “ستنقلك إلى الحفلة وكأنك هناك” حسب وصف كريستينا. قدّم زوكربيرغ بدوره تفسيراً مماثلاً للحياة مع الميتافيرس “في هذا المستقبل، سيكون بإمكانك التنقل فوراً كمجسم هولوغرامي -تقنية تنشأ صورا ثلاثية الأبعاد بإستخدام الليزر- إلى المكتب دون الحاجة إلى التحرك من مكانك، أو الذهاب إلى حفلة موسيقية أو قضاء الوقت في غرفة المعيشة مع والديك.”
هل الميتافيرس آمن أم أنه وسيلة أكثر تعقيداً لسرقة بياناتي؟
الإجابة المباشرة هي أننا لا نعلم بعد، لكن المؤكد هو وجود العديد من المخاطر المرتبطة بالميتافيرس نتيجة طبيعته المنفتحة واللامتناهية. هذه المخاطر ستترجم على مستويات المعلومات الشخصية، المالية، البيولوجية كالبصمات وحتى العاطفية كالمشاعر. مثلاً، سيكون الأفاتار أو الصورة الرمزية الإلكترونية إحدى طرق التعريف بالهوية وهو ما يعرضها للإنتحال والسرقة. قد تكون البصمات الشخصية وسيلة لتجنب ذلك، لكنها أيضا معرضة للخروقات أيضًا.
المخاطر متعددة، ولكن من مصلحة الشركات أن توفر مساحة آمنة ومريحة للمستعملين في المستقبل كي نتجنب سيناريو الإختراقات التي لا تنتهي وخاصة مع فيسبوك، التي يرى خبراء أن تغيير اسمها إلى “ميتا” هو محاولة لتجاوز كونها شبكة اجتماعية تشوبها فضائح بخصوص الخصوصية وتسريب البيانات. وربما لهذا قررت الشركة كذلك إلغاء نظام التعرف على الوجوه وحذف مليار بصمة وجه -كاستجابة للمخاوف المرتبطة بالخصوصية.
وعبر ماركوس كارتر، وهو محاضر كبير في الثقافات الرقمية بجامعة سيدني لفورتشن، عن مخاوفه بشأن خصوصية البيانات في ميتافيرس على فيسبوك، وأشار إلى أن بعض بيانات المستخدم التي يمكن لـ فيسبوك تتبعها في الواقع الافتراضي تتضمن معلومات حول كيفية تحرك الأشخاص في البيئات الافتراضية وقال: “بيانات الحركة ضمن البيئات الافتراضية هذه يمكن استخدامها لتحديد هويتك مثل بصمة الإصبع.”
كيف يمكن الوصول إلى الميتافيرس حاليًا؟
بحسب فيسبوك فإن الأمر سيأخذ ١٥ عاماً، على الأقل بالمعطيات الموجودة الآن، وهو ما يجعل تخيل طبيعة الميتافيرس صعبة نوعاً ما. يبقى الميتافيرس بصورته الفعلية المتوقعة فكرة تعمل الشركات اليوم على تحقيقها. ستخلق هذه الفكرة عالمًا افتراضياً يتماهى مع واقعنا المادي بأبعاده الحسية من صورة وصوت وحتى الرائحة والمشاعر.